كيف تجيد فن التركيز فى زمن المشتتات؟!

قد يمضى بالعمر الكثير دون إنجاز شيء واحد فاعل فى حياتك، ربما تحب أكثر من شيء وتعطى بعض الوقت لهذا وبعض لهذا وإذا سألت نفسك فى آخر المطاف ما الذى أجيده فلن تجد شيئاً، فقد شتت نفسك بدون طائل، الموضوع لا يتعلق بك أو بى بل إنها مشكلة قديمة وعميقة من لم يبحث عنها على حل فلن ينجز شيئاً، التشتت مما كنت أعانيه جداً، فتارة أتعلم على برنامج س ثم يعجبنى موضوع آخر فاهتم به واترك الاول وفجأة يظهر ص وهكذا.

loop غير منتهى، والـ loop فى البرمجة ما لم تجد له شرط يكسره، فربما يصبح نهائى ويتعطل البرنامج كله، هكذا هى حياتنا اليوم، خصوصاً اليوم، بعد ظهور الفيسبوك وتويتر وجوجل بلس ولنكدإن، بعد ظهور الواتس آب والفايبر، الإيميل والشات، تخيل نفسك تريد إنهاء قراءة كتيب من 50 صفحة على جهازك فى ظل وجودك أونلاين على الفيسبوك وفتح شات وعدد الألسنة التى بالمتصفح والتى كلما نظرت لواحدة منهم تصرخ “أقرأنى”، البعض قد يطلق على العصر الذى نعيشه عصر المعلومات، لكن بحق هو عصر المشتتات.

الإدمـــــان

ستلاحظ بعض منشورات أصدقائك على الفيسبوك بعزمهم على غلق حساباتهم نهائياً، فنصيحة لا تعلق ولا تبدى إهتماماً لأنهم عادة سيعودون، فما الحكاية وما السر؟! كل الحكاية أن هذه التقنيات أصبحت إدماناً بمعنى الكلمة، وإذا لم تصدقنى أبحث عن معنى كلمة الإدمان بالقاموس وطبقها على ماتجده، أنظر فى المترو أو المواصلات العامة كم واحداً يحمل هاتفاً ذكياً ينقر عليه، كم مرة جلست مع أحد ووجدت نفس الشيئ، أحياناً أشعر أن الحياة فقدت قيمتها، أننا فى كابوس لا نستيقظ منه، أصبحنا نخدم التقنية  وليست هى التى تخدمنا، أصبح درباً من الإدمان!!

بل أكثر من ذلك فإنه تحول إلى اسلوب حياة، تعتقد أنك بتفقدك للإيميل كل ثانية بأنك لن تضيع فرصة إيجاد عمل، تعتقد انك بالرد على كل منشور وإنتظار إعجابات الزوار بأنك بذلك مهم، تعتقد بأن فتحك لعدة ألسنة لعدة مقالات علمية والتبديل بينهم كل ثانية أنك ستُحصل علماً ينفعك، الحقيقة أنك تضيع وقتك، الحقيقة أنك مهما فعلت فلن تحصل على كل شيء لأنك حتى أثناء تصفحك يستحيل أن تقرأ كل شيء، مهما قرأت فلن تتذكر شيء بعد مرور يوم واحد على قراءته، مهما فعلت من متابعة الإشعارات ونشر أشياء مفيدة وإنتظار الإعجابات والتعليقات فلن تشعر بالأهمية لأن الاهمية تكمن فى الإنجاز والشعور بالرضا.

سؤال بسيط؟ كم مرة قمت بتفقد الفيسبوك أو تويتر أثناء قراءتك لهذه التدوينة؟! كم مرة قمت بفعل شيء آخر غير القراءة؟

ما لم تجد التركيز والسكينة فى وجودك وحيداً فلن تنجز شيء..

“بدون العزلة الجيدة، فلا مكان للأعمال العظيمة”
Pablo Picasso

فما الحل إذن وماذا تفعل؟؟

القليــــل المبـــــارك

الحل كل الحل فى فلسفة “القليل المبارك”، الكل يعتقد أنه بالحصول على الكثير سيصبح أفضل، لكنه العكس سأخبرك بنصيحة سأقوم بتنفيذها لأنى مثلك تماماً ضقت ذرعا بالشتات وبالعبث، أياً كان ما تفعله أسأل هل هو ضرورى أم لا؟ هذه واحدة، إذا كان ضرورياً فأفعله كأنه لا يوجد بحياتك شيئاً غيره، وإن لم يكن ضرورياً فيمكنك التخلص منه نهائياً أو تأجيله على الأقل.

إن كنت تقرأ كتاباً فغص فى أعماقه، تعلم كل تفصيل فيه، إن كنت تصلى فاستشعر كل تسبيحة وكل تكبيرة تتلفظها، كل سجدة ودعاء تقوله، إن كنت تأكل استشعر بكل قضمة، اشعر أنك حى، تنفس اشعر بالحياة، ابحث عن مكان تجد نفسك فيه، كن واعياً بكل نشاط تقوم به، هذا هو التركيز هذه هى الحياة.

الحل فى حديث النبى صلى الله عليه وسلم: ” أحب الأعمال إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ” صحيح، لأنك حينها ستركز عليه لمدة طويلة، هذا الحديث النبوى يختصر فلسفة zen عن التغيير، يختصر الكثير والكثير من المفاهيم المتعلقة بالتركيز والتغير، فليس المهم أن تتغير فى يوم وليلة، بل قم بالتغيير التدريجى وأبدأ بالقليل على مدد طويلة.

“معظم ما نفعله أو نقوله ليس ضرورياً، إذا كنا نستطيع التخلص منه، وسنجد حينها وقتاً أكثر،
أسأل نفسك فى كل لحظة عما تفعله، هل هذا ضرورى؟”
Marcus Aurelius

هذا عن المفهوم عامة، والكلام هنا عن ثلاث أفكار رئيسية ( الأولوية، القليل المبارك، الإلتزام)، حدد ما هو ضرورى فى يومك، أختر من 3-5 نشاطات باليوم هم أهم نشاطات بيومك تعتقد أنك بإنجازهم ستتغير حياتك للأفضل، يمكنك جدولة هذه النشاطات إن كانت مشاريع دراسية أو عملية، وتخلص من الملهيات.

نصائــح مهمـــة

يمكنك التخلص من الملهيات وإيجاد تركيز أفضل بأكثر من طريقة، عند شروعك على العمل أو على مشروع ما أو دراسة كتاب أو تعلم كورس معين فيمكنك اتباع الآتى:

#قم بفصل الإنترنت أو غلق المتصفح أو غلق جميع الشبكات الإجتماعية، المناسب لك فقد يكون عملك على الإنترنت أو تقوم بتحميل شيء مهم، كذلك قم بغلق جميع البرامج عدا ما تعمل عليه، وحول ما تعمل عليه أو تقرأه لشاشة كاملة.

#اغلق هاتفك أو ضعه على وضع صامت، وابحث عن مكان هادئ للعمل والإبداع.

#توقف عن البحث عن الكمال والتحكم بكل شيئ، ربما ستفعل كل شيء لإيجاد التركيز لكن تبقى الحقيقة أنه يستحيل إيجاد البيئة المثالية للتركيز، لذا أحياناً عليك فقط التوقف عن محاولة التحكم فى كل شيء، فربما يكون منزلك بجوار محطة قطار أو طريق سريع، وبالرغم أن هذه الخطوة تحتاج بعض التمرين ولكن صدقنى فإنها تستحق فحينها لن يفرق شيء لإيجاد التركيز والعمل او الدراسة، فقط دعها تمر تجاهل المشتتات كن كسوبر مان يركز فقط على ما يريد.

“إذا قمت بمطاردة أرنبين، فلن تحصل على أى منهما”
غيرمعروف

#حدد وقت محدد لإنجاز جزء من المهمة وخذ بعده راحة قصيرة ثم ابدأ بالعمل مرة أخرى وهكذا، برنامج FocusBooster سيساعدك على هذه المهمة.

#قم بتطوير عادات ذهنية للوصول لأقصى درجات تركيزك، البعض عادته التمشية، البعض شرب الشاى، هى العادة التى تجد فيها راحتك وتشعر انك لا تريد القيام بشيء آخر فى هذا الوقت غيرها، مؤخراً أصبحت عادتى الذهنية الكتابة :).

#يمكنك التبديل بين التركيز والراحة أو التبديل بين تركيزين مختلفين فمثلاً إن كنت تعمل على مشروعين مختلفين فيمكنك إراحة عقلك من الأول والبدء بالآخر ولكن احذر السرعة فى التبديل بينهما، ويفضل أخذ راحة قصيرة بينهما لشحذ الهمة والاستعداد للمشروع الثانى.

#استغل فترة ما بعد الفجر فى قراءة القرآن ثم البدء بأهم نشاط باليوم كله، فإن كنت تعمل على مقالة أو برنامج أوتصميم أو تريد دراسة شيء فهذا الوقت هو أفضل الأوقات لقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : “اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا “صحيح.

#كذلك يوجد نوعين من النشاطات، النوع الأول هو التواصل والإستهلاك، والنوع الثانى هو الإنتاج والإبداع، فمثلاً ان تعمل على تصميم معين وفى نفس الوقت تتواصل عبر الشات مع صديق، النوعين منفصلين تماماً وعند التبديل بينهم فإنك تقوم بإيذاء عقلك والنشاطين معاً، فحاول أن تفصل بينهما قدر الإمكان.

“لا يكفى أن تشغل نفسك، السؤال هو ما الذى يشغلك؟”
Henry David Thoreau

#إذا كنت تقوم ببحث على جوجل عن موضوع بحثى، قم بعمل بحث سريع عن أهم المقالات فى البحث ثم أفتح كل واحدة فى لسان جديد، افحص كل مقال على حدا لا تقرأه أبحث فقط عن الروابط المهمة وأفتحها، بعد الإنتهاء قم بفصل الإنترنت وقراءة كل مقال فى شاشة كاملة، فى فاير فوكس يمكنك سحبه ليصبح نافذة منفصلة تملأ الشاشة.

#عند تعلمك لدورة من التعليمية، يفضل بعد صلاة الفجر كما سبق أن قلنا، يفضل أن تقوم بسماع الفيديو كله مرة دون تخطى ثانية واحدة ثم كتابة ما استفدته، إذا شعرت أنك لم تفهم شيئاً ما قم بتدوينه جانباً، بعد الإنتهاء من كتابة ما حصلته من سماع الفيديو وما فقدته كرر سماع الفيديو مرة أخرى ثم قم بالتمرين والممارسة على ما تعلمته، الممارسة أفضل طريقة للإستفادة وفهم ما تعلمته.

“قم بعمل ما تريد ولكن بتركيز شديد”
Robert Henri

هذه بعض النصائح وفى إنتظار نصائحكم ومقترحاتكم لإيجاد تركيز أفضل للعمل والاستذكار.

دمتم بتركيز 😀

47 رأي حول “كيف تجيد فن التركيز فى زمن المشتتات؟!”

  1. كالعادة مقال مفيد و مهم كنت احتاج اليه
    شكرا اخى Mohamed Ibrahim

  2. فعلا التشتيت بيقتل انا اليومين دول بدفع تمن فترة اتشتت فيها وربنا يعديها على خير ‘) استفدت جدا من موضوعك شكرا

  3. اخي محمد اسمح لي ان اشكرك على هذا التدوينة،
    اعجبت كثير بطريقتك في تغطية الموضوع من جميع النواحي
    متابع لك ان شاء الله وارجوا ان لا تبخل علينا بعادتك الذهنية

  4. لساني يعجز عن شكرك, تقريباً, أنا أتبع نصف الأشياء التي تحدثت عنها, ولكن تحدثك عن الشبكات الإجتماعية وإدمانها, والقليل المبارك, حقاً أنا مشكلتي أنني أجلس على الشبكات الإجتماعية وأضيع وقتي بلا فائدة, وبالنسبة لتنظيم الوقت أنا أيضاً أستخدم Focus Booster وأستخدم أيضاً تقنية pomodoro للحفاظ على التركيز أثناء البرمجة أو الكتابة, وأخيراً أريد شكرك على المقالة الرائعة عامةً وعلى النصيحة الأخيرة خاصةً فأنا كنت في أشد الحاجة إليها.

  5. احسنت …ما شاء الله لا قوة الا بالله …موضوع فى وقته وكنت محتاج ليه جدا…انا فخور انى بعرفك شخصيا…..

  6. قام بإعادة تدوين هذه على To All World وأضاف التعليق:
    هذا صحيح و يحدث يوميا مع معظم البشر – من لدية القدرة على التركيز هو من لدية القدرة على النجاح

  7. مقال أكثر من رائع …بالتوفيق ان شاء الله فى باقى التدوينات …ننتظر المزيد …^_^

    كم مرة قمت بتفقد الفيسبوك أو تويتر أثناء قراءتك لهذه التدوينة؟! … ولا مره …قرأت التدونيه كامله بدون الالتفات لشيئ ^_^ .

  8. ماشاء الله .. مقال مثري و مفيد
    إشتريت مؤخرا مجموعة كتب وإلى الآن لم أجد وقتا لقراءتها وإن قرأتها لا أفهم منها شيئا
    سأبدأ من اليوم محاولة تطبيقه
    ممتنة لك .. والله يحفظك

  9. خذا المقالو كأنه يتكام عني . فعلا هذه المشكلة قد تكبح روح التعلم خصوصا للشباب العصامي . شكرا على المقال

  10. مقالة ممتازة ،
    قبل ٦ اشهر استخدمت chrome extension اسمه Time Tracker اكتشفت اني اقضي اسبوعيا على فيسبوك عدد ضخم من الساعات يوازي تقريبا عدد ساعات عمل كاملة ! (full time job)
    قررت بعدها تعطيل حساب فيسبوك ولم ادخله من وقتها وصرت اقنن المشتتات خصوصا ال Degital inturruption ووضعت خطة لبدائل صحية ومفيدة انعكس ذلك على حياتي المهنية والشخصية بشكل كبير لم اتوقعه الحمد لله

    مقالتك اضافة مهمة اتمنى ان تغير حياة البعض 🙂

  11. السلام عليكم أخي ماهو الفوكس بوستر وما هي فكرته ؟؟؟
    وأشكرك علي التدوينة الهامة جاية في وقتها أو متأخرة كمان 🙂

    1. هو برنامج تقوم بضبطه لوقت معين مثلا 45 دقيقة لإنجاز مهمة ما ثم تأخذ 15 دقيقة راحة وهكذا ويمكنك ضبطه كما يناسبك

  12. قررت منذ اسبوع ان اعتزل الفيس بوك الا ان افتحه لرد الرسائل مره او مرتين في اليوم

  13. انت رائع عزيزي وهذا فعلاً موضوع يشغل الجميع وانا كذلك كنت اعاني من هذه المشكلة وبدأت بالتخلص منها تدريجياً ونصائحك هذه ستختصر علي مشواراً طويلاً … أشكرك

  14. مقالة حلوة جدا ما شاء الله عليك و فعلا انا لقيت حاجات كتير فيا خصوصا الإنشغال بالسوشيال ميديا و مع إني عارف أضرارها على شغلي أو وقتي و حياتي عموما إلا إن بردو زي ما قالوها زمان “مفيش فايده” .. عموما الحمد لله أنا بدأت أركز حديثا و ربنا يكرمك و مستني مقالات كتير بنفس النوعية.

  15. انت راااااااائع .. ولكن ينقصني التطبيق 😦

    ما هي افضل نصيحة منك لكي انفذ هذا الكلام حالا ..؟

  16. مقال مميز و خطوات رائعة عزيزي محمد، فعلا جميعنا يمر ب هذا loop الفظيع و هو شبكة الإنترنيت و التواصل، التي تقيدنا من المضي بكل طاقة نحو عمل ماهو مفيد و الحل هو إيجاد الدافع النفسي الذي يكسر هاته الحلبة المفرغة

  17. جزاكم الله خيرا ، وزادكم الله علما ونفع بكم

    سبحان الله من اسبوع كتبت عن معاناتى من التشتت عل الفيس بوك وكتبت الاتى :
    “بفكر انى مع نهاية هذا العام أن اغلق الفيس بوك لأنه لم يعد ملائم وعيوبة اكثر من مزايا بالنسبة لى ف المرحله الراهنة فسوف اهاجر الى موقع اتفادى فيه عيوب الفيس من التشتت وعدم التركيز على اهتماماتى ربما يكون بمقدورى التحكم ف ذلك من خلال اعدادات الفيس بس مش حاسس بجدوى وافادة كبيرة .. ارض الانترنت واسعة .. اهتمامات المشاركة الفاعلة وليس الثرثرة والجدال والتركيز على التعلم واقامة علاقات من هذا المنطلق ، واستغلال الوقت وتضييعه سوف يكون هو المنطلق ف تحديد موقعى على هذا العالم االافتراضى”

  18. استاذ محمد تحياتى لك على المدونة الجديدة انا اقرا لك دائما ف اراجيك واول مرة ادخل على مدونتك وكما عودتنا دائما بمقالاتك التى تمس الشخص منا من الداخل وتناقش وتطرح حلولا لما قد يواجه النفس البشرية …..انا سعيد جدا بهذه المقالة …منذ فترة كانت تراودنى فكرة ان اكتب عن موضوع الشتات الذى نعيشه هذه الايام بسبب كثرة الوسائل المتاحة انه فعلا زمن الشتات هو رغم انه سهل اشياء كثيرة واصبحت متاحة الا اننا لو لم نطبق ماذكرته فى مقالتك الرائعة سوف يصبح التقدم الذى وصلنا اليه سوف يصبح عديم الفائدة بل وضار ايضا ….انا احب الكتابة لكن لم اصل لدرجة الاحترافية ..وكنت اتمنى ان اكتب فى هذ ا الموضوع ولكنى سعيد انك تناولته باسلوبك الرائع …تحياتى لك وسأستعين بكل كلمة فى هذه المقالة لتغيير نفسى والتغلب على التشتت…

اترك رداً على ENG_MIS016 إلغاء الرد